سورة محمد - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}
وهذه الآية فيها إشارة إلى فساد قول قالوه، وهو أنهم كانوا يقولون كيف نقاتل والقتل إفساد والعرب من ذوي أرحامنا وقبائلنا؟ فقال تعالى: {إِن تَوَلَّيْتُمْ} لا يقع منكم إلا الفساد في الأرض فإنكم تقتلون من تقدرون عليه وتنهبونه والقتال واقع بينكم، أليس قتلكم البنات إفساداً وقطعاً للرحم؟ فلا يصح تعللكم بذلك مع أنه خلاف ما أمر الله وهذا طاعة وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في استعمال عسى ثلاثة مذاهب أحدها: الإتيان بها على صورة فعل ماضٍ معه فاعل تقول عسى زيد وعسينا وعسوا وعسيت وعسيتما وعسيتم وعست وعستا والثاني: أن يؤتى بها على صورة فعل معه مفعول تقول عساه وعساهما وعساك وعساكما وعساي وعسانا.
والثالث: الإتيان بها من غير أن يقرن بها شيء تقول عسى زيد يخرج وعسى أنت تخرج وعسى أنا أخرج والكل له وجه وما عليه كلام الله أوجه، وذلك لأن عسى من الأفعال الجامدة واقتران الفاعل بالفعل أولى من اقتران المفعول لأن الفاعل كالجزء من الفعل ولهذا لم يجز فيه أربع متحركات في مثل قول القائل نصرت وجوز في مثل قولهم نصرك ولأن كل فعل له فاعل سواء كان لازماً أو متعدياً ولا كذلك المفعول به، فعسيت وعساك كعصيت وعصاك في اقتران الفاعل بالفعل والمفعول به، وأما قول من قال عسى أنت تقوم وعسى أن أقوم فدون ما ذكرنا للتطويل الذي فيه.
المسألة الثانية: الاستفهام للتقرير المؤكد، فإنه لو قال على سبيل الإخبار {عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ} لكان للمخاطب أن ينكره فإذا قال بصيغة الاستفهام كأنه يقول أنا أسألك عن هذا وأنت لا تقدر أن تجيب إلا بلا أو نعم، فهو مقرر عندك وعندي.
المسألة الثالثة: عسى للتوقيع والله تعالى عالم بكل شيء فنقول فيه ما قلنا في لعل، وفي قوله: {لِنَبْلُوَهُمْ} [الكهف: 7] إن بعض الناس قال يفعل بكم فعل المترجي والمبتلي والمتوقع، وقال آخرون كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك ونحن قلنا محمول على الحقيقة وذلك لأن الفعل إذا كان ممكناً في نفسه فالنظر إليه غير مستلزم لأمر، وإنما الأمر يجوز أن يحصل منه تارة ولا يحصل منه أخرى فيكون الفعل لذلك الأمر المطلوب على سبيل الترجي سواء كان الفاعل يعلم حصول الأمر منه وسواء أن لم يكن يعلم، مثاله من نصب شبكة لاصطياد الصيد يقال هو متوقع لذلك فإن حصل له العلم بوقوعه فيه بإخبار صادق أنه سيقع فيه أو بطريق أخرى لا يخرج عن التوقع، غاية ما في الباب أن في الشاهد لم يحصل لنا العلم فيما نتوقعه فيظن أن عدم العلم لازم للمتوقع، وليس كذلك بل المتوقع هو المنتظر لأمر ليس بواجب الوقوع نظراً لذلك الأمر فحسب سواء كان له به علم أو لم يكن وقوله: {إِن تَوَلَّيْتُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه من الولاية يعني إن أخذتم الولاية وصار الناس بأمركم أفسدتم وقطعتم الأرحام وثانيهما: هو من التولي الذي هو الإعراض وهذا مناسب لما ذكرنا، أي كنتم تتركون القتال وتقولون فيه الإفساد وقطع الأرحام لكون الكفار أقاربنا فلا يقع منكم إلا ذلك حيث تقاتلون على أدنى شيء كما كان عادة العرب الأول: يؤكده قراءة علي عليه السلام توليتم، أي إن تولاكم ولاة ظلمة جفاة غشمة ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم معهم وقطعتم أرحامكم، والنبي عليه السلام لا يأمركم إلا بالإصلاح وصلة الأرحام، فلم تتقاعدون عن القتال وتتباعدون في الضلال.


{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)}
إشارة لمن سبق ذكرهم من المنافقين أبعدهم الله عنه أو عن الخير فأصمهم فلا يسمعون الكلام المستبين وأعماهم فلا يتبعون الصراط المستقيم، وفيه ترتيب حسن، وذلك من حيث إنهم استمعوا الكلام العلمي ولم يفهموه فهم بالنسبة إليه صم أصمهم الله وعند الأمر بالعمل تركوه وعللوا بكونه إفساداً وقطعاً للرحم وهم كانوا يتعاطونه عند النهي عنه فلم يروا حالهم عليه وتركوا اتباع النبي الذي يأمرهم بالإصلاح وصلة الأرحام ولو دعاهم من يأمر بالإفساد وقطيعة الرحم لاتبعوه فهم عمي أعماهم الله، وفيه لطيفة: وهي أن الله تعالى قال أصمهم ولم يقل أصم آذانهم، وقال: {وأعمى أبصارهم} ولم يقل أعماهم، وذلك لأن العين آلة الرؤية ولو أصابها آفة لا يحصل الإبصار والأذن لو أصابها آفة من قطع أو قلع تسمع الكلام، لأن الأذن خلقت وخلق فيها تعاريج ليكثر فيها الهواء المتموج ولا يقرع الصماخ بعنف فيؤذي كما يؤذي الصوت القوي فقال: {أصمهم} من غير ذكر الأذن، وقال: {أعمى أبصارهم} مع ذكر العين لأن البصر هاهنا بمعنى العين، ولهذا جمعه بالأبصار، ولو كان مصدراً لما جمع فلم يذكر الأذن إذ لا مدخل لها في الإصمام، والعين لها مدخل في الرؤية بل هي الكل، ويدل عليه أن الآفة في غير هذه المواضع لما أضافها إلى الأذن سماها وقراً، كما قال تعالى: {وفِي آذاننا وقر} [فصلت: 5] وقال: {كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} [لقمان: 7] والوقر دون الصم وكذلك الطرش:


{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)}
ولنذكر تفسيرها في مسائل:
المسألة الأولى: لما قال الله تعالى: {فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أبصارهم} [محمد: 23] كيف يمكنهم التدبر في القرآن قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ} وهو كقول القائل للأعمى أبصر وللأصم اسمع؟ فنقول الجواب: عنه من ثلاثة أوجه مترتبة بعضها أحسن من البعض الأول: تكليفه ما لا يطاق جائز والله أمر من علم أنه لا يؤمن بأن يؤمن، فكذلك جاز أن يعميهم ويذمهم على ترك التدبر الثاني: أن قوله: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ} المراد منه الناس الثالث: أن نقول هذه الآية وردت محققة لمعنى الآية المتقدمة، فإنه تعالى قال: {أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله} [محمد: 23] أي أبعدهم عنه أو عن الصدق أو عن الخير أو غير ذلك من الأمور الحسنة {فَأَصَمَّهُمْ} لا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم لا يتبعون طريق الإسلام فإذن هم بين أمرين، إما لا يتدبرون القرآن فيبعدون منه، لأن الله تعالى لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق، والقرآن منهما الصنف الأعلى بل النوع الأشرف، وأما يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مقفلة، تقديره أفلا يتدبرون القرآن لكونهم ملعونين مبعودين، أم على قلوب أقفال فيتدبرون ولا يفهمون، وعلى هذا لا نحتاج أن نقول أم بمعنى بل، بل هي على حقيقتها للاستفهام واقعة في وسط الكلام والهمزة أخذت مكانها وهو الصدر، وأم دخلت على القلوب التي في وسط الكلام.
المسألة الثانية: قوله: {على قُلُوبٍ} على التنكير ما الفائدة فيه؟ نقول قال الزمخشري يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون للتنبيه على كونه موصوفاً لأن النكرة بالوصف أولى من المعرفة فكأنه قال أم على قلوب قاسية أو مظلمة الثاني: أن يكون للتبعيض كأنه قال أم على بعض القلوب لأن النكرة لا تعم، تقول جاءني رجال فيفهم البعض وجاءني الرجال فيفهم الكل، ونحن نقول التنكير للقلوب للتنبيه على الإنكار الذي في القلوب، وذلك لأن القلب إذا كان عارفاً كان معروفاً لأن القلب خلق للمعرفة، فإذا لم تكن فيه المعرفة فكأنه لا يعرف، وهذا كما يقول القائل في الإنسان المؤذي: هذا ليس بإنسان هذا سبع، ولذلك يقال هذا ليس بقلب هذا حجر.
إذا علم هذا فالتعريف إما بالألف واللام وإما بالإضافة، واللام لتعريف الجنس أو للعهد، ولم يمكن إرادة الجنس إذ ليس على قلب قفل، ولا تعريف العهد لأن ذلك القلب ليس ينبغي أن يقال له قلب، وأما بالإضافة بأن نقول على قلوب أقفالها وهي لعدم عود فائدة إليهم، كأنها ليست لهم.
فإن قيل فقد قال: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ} [البقرة: 7] وقال: {فَوَيْلٌ للقاسية قُلُوبُهُمْ} [الزمر: 22] فنقول الأقفال أبلغ من الختم فترك الإضافة لعدم انتفاعهم رأساً.
المسألة الثالثة: في قوله: {أَقْفَالُهَا} بالإضافة ولم يقل أقفال كما قال: {قُلُوبٍ} لأن الأقفال كانت من شأنها فأضافها إليها كأنها ليست إلا لها، وفي الجملة لم يضف القلوب إليهم لعدم نفعها إياهم وأضاف الأقفال إليها لكونها مناسبة لها، ونقول أراد به أقفالاً مخصوصة هي أقفال الكفر والعناد.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11